سورة الشورى - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


{مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)}
{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الاخرة نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ} الآية وزان قوله عز وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها وَقَدْ خَابَ مَن دساها} [الشمس: 107] وينتظم الكلام أتم انتظام وتلتئم أطرافه أشد التآم، ولا يقال حينئذ: إن قوله تعالى: {يَرْزُقُ مَن يَشَاء} [الشورى: 19] حكم مترتب على السابق فكان ينبغي أن يعم عمومه والعموم أظهر، وحديث التخصيص في {يَرْزُقُ مَن يَشَاء} فقد أجاب عنه صاحب التقريب فقال إنما خصص الرزق ن يشاء مع أنهم كلهم بر سبحانه بهم لأنه تعالى قد يخص أحدًا بنعمة وغيره بأخرى فالعموم لجنس البر والخصوص لنوعه. وأشار جار الله إلى أنه لا تخصيص بالحقيقة فإن المعنى الله تعالى بليغ البر بجميع عباده يرزق من يشاء ما يشاء سبحانه منه فيرزق من يشاء بيان لتوزيعه على جميعهم فليس الرزق لا النصيب الخاص لكل واحد، ولما شمل الدارين لاءم قوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ} إلخ كل الملاءمة، ولا يتوقف هذا على ما قاله الطيبي، ولعل أمر التذييل بالاسمين الجليلين على القول بالعموم أظهر والتعليل أنسب فكأنه قيل: لطيف بعباده عام الإحسان بهم لأنه تعالى القوي الباهر القدرة الذي غلب وغلبت قدرته سبحانه جميع القدر يرزق من يشاء لأنه العزيز الذي لا يغلب على ما يريد فكل من الاسمين الجليلين ناظر إلى حكم فافهم وقل رب زدني علمًا:
فكم لله من لطف خفي *** يدق خفاه عن فهم الذكي
والحرث في الأصل إلقاء البذر في الأرض يطلق على الزرع الحاصل منه، ويستعمل في ثمرات الأعمال ونتائجها بطريق الاستعارة المبنية على تشبيهها بالغلال الحاصلة من البذور المتضمن لتشبيه الأعمال بالبذور أي من كان يريد بأعماله ثواب الآخرة نضاعف له ثوابه بالواحد عشرة إلى سبعمائة فما فوقها {وَمَن كَانَ يُرِيدُ} بأعماله {حَرْثَ الدنيا} وهو متاعها وطيباتها {نُؤْتِهِ مِنْهَا} أي شيئًا منها حسا قدرناه له بطلبه وإرادته {وَمَا لَهُ فِى الاخرة مِن نَّصِيبٍ} إذ كانت همته مقصورة على الدنيا وقرأ ابن مقسم. والزعفراني. ومحبوب. والمنقري كلاهما عن أبي عمرو {يزد. ويؤته} بالياء فيهما، وقرأ سلام {ثَوَابَ الدنيا نُؤْتِهِ} بضم الهاء وهي لغة أهل الحجاز وقد جاء في الآية فعل الشرط ماضيًا والجواب مضارعًا مجزومًا قال أبو حيان: ولا نعلم خلافًا في جواز الجزم في مثل ذلك وأنه فصيح مختار مطلقًا إلا ما ذكره صاحب كتاب الإعراب أبو الحكم بن عذرة عن بعض النحويين أنه لا يجيء في الفصيح إلا إذا كان فعل الشرط كان، وإنما يجيء معها لأنها أصل الأفعال ونص كلام سيبويه والجماعة أنه لا يختص بكان بل سائر الأفعال مثلها في ذلك وأنشد سيبويه للفرزدق:
دست رسولًا بأن القوم إن قدروا *** عليك يشفوا صدورًا ذات توغير
وقال أيضًا:
تعش فإن عاهدتني لا تخونني *** نكن مثل من ياذئب يصطحبان


{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)}
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء} في الكفر وهم الشياطين {شَرَعُواْ لَهُمْ} أي لهؤلاء الكفرة المعاصرين لك بالتسويل والتزيين {مّنَ الدين مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الله} كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا. و{أَمْ} منقطعة فيها معنى بل الإضرابية والهمزة التي للتقرير والتقريع والإضراب عما سبق من قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مّنَ الدين} [الشورى: 13] إلخ فالعطف عليه وما اعترض به بين الآيتين من تتمة الأولى، وتأخير الأضراب ليدل على أنهم في شرع يخالف ما شرعه الله تعالى من كل وجه فالشرك في مقابلة إقامة الدين والاستقامة عليه وإنكار البعث في مقابلة قوله تعالى: {والذين ءامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الحق} [الشورى: 18] والعمل للدنيا لقوله سبحانه: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الاخرة} [الشورى: 20] وهذا أظهر من جعل الأضراب عما تقدم من قوله تعالى: {كَبُرَ عَلَى المشركين} [الشورى: 13] كما لا يخفى، وقيل: شركاؤهم أصنامهم، وإضافتها إليهم لأنهم الذين جعلوها شركاء لله سبحانه، وإسناد الشرع إليها لأنها سبب ضلالتهم وافتتانهم كقوله تعالى: {إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا} [إبراهيم: 36] وجوز أن يكون الاستفهام المقدر على هذا للانكار أي ليس لهم شرع ولا شارع كما في قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ الِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا} [الأنبياء: 43] وأيًا ما كان فضمير {شَرَعُواْ} للشركاء وضمير {لَهُمْ} للكفار.
وجوز على تفسير الشركاء بالأصنام أن يكون الأول للكفار والثاني للشركاء أي شرع الكفار لأصنامهم ورسموا من المعتقدات والأحكام ما لم يأذن به الله تعالى كاعتقاد أنهم آلهة وأن عبادتهم تقربهم إلى الله سبحانه، وكجعل البحيرة والسائبة والوصيلة وغير ذلك، وهو كما ترى {وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفصل} أي القضاء والحكم السابق منه تعالى بتأخير العذاب إلى يوم القيامة أو إلى آخر أعمالهم {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي بين الكافرين والمؤمنين في الدنيا أو حين افترقوا بالعقاب والثواب، وجوز أن يكون المعنى لولا ما وعدهم الله تعالى به من الفصل في الآخرة لقضى بينهم فالفصل عنى البيان كما في قوله تعالى: {هذا يَوْمُ الفصل جمعناكم والاولين} [المرسلات: 38] وقيل: ضمير بينهم للكفار وشركائهم بأي معنى كان {وَإِنَّ الظالمين} وهم المحدث عنهم أو الأعم منهم ويدخلون دخولًا أوليًا {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة. وفي البحر أي في الدنيا بالقتل والأسر والنهب وفي الآخرة بالنار.
وقرأ الأعرج. ومسلم بن جندب {وَأَنْ} بفتح الهمزة عطفًا على {كَلِمَةُ الفصل} أي لولا القضاء السابق بتأخير العذاب وتقدير أن الظالمين لهم عذاب أليم في الآخرة أو لولا العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة وتقدير أن الظالمين لهم إلخ لقضي بينهم، والعطف على التقديرين تتميم للإيضاح لا تفسيري محض {تَرَى الظالمين} جملة مستأنفة لبيان ما قبل، والخطاب لكل أحد يصلح له للقصد إلى المبالغة في سوء حالهم أي ترى يا من يصح منه الرؤيا الظالمين يوم القيامة.


{تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)}
{مُشْفِقِينَ} خائفين الخوف الشديد {مِمَّا كَسَبُواْ} في الدنيا من السيآت، والكلام قيل على تقدير مضاف. و{مِنْ} صلة الإشفاق أي مشفقين من وبال ما كسبوا {وَهُوَ} أي الوبال {وَاقِعٌ بِهِمْ} أي حاصل لهم لاحق بهم، واختار بعضهم أن لا تقدير ومن تعليلية لأنه أدخل في الوعيد، والجملة اعتراض للإشارة إلى أن إشفاقهم لا ينفعهم، وإيثار {وَاقِعٍ} على يقع مع أن المعنى على الاستقبال لأن الخوف إنما يكون من المتوقع بخلاف الحزن للدلالة على تحققه وأنه لابد منه، وجوز أن تكون حالًا من ضمير {مُشْفِقِينَ} وظاهر ما سمعت أنه حال مقدرة.
{والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فِى روضات الجنات} أي مستقرون في أطيب بقاعها وأنزهها.
وقال الراغب: هي محاسنها وملاذها، وأصل الروضة مستنقع الماء والخضرة واللغة الكثيرة في واوها جمعًا التسكين كما في المنزل ولغة هذيل بن مدركة فتحها فيقولون روضات إجراء للمعتل مجرى الصحيح نحو جفنات ولم يقر أحد فيما علمنا بلغتهم {لَهُمْ مَّا يَشَآءونَ عِندَ رَبّهِمْ} أي ما يشتهونه من فنون المستلذات حاصل لهم عند ربهم فالظرف متعلق تعلق الجار والمجرور الواقع خبرًا لما أوبه واختاره جار الله ونفى أن يكون متعلقًا بيشاؤن مع أنه الظاهر نحوًا، وبين صاحب الكشف ذلك بأنه كلام في معرض المبالغة في وصف ما يكون أهل الجنة فيه من النعيم الدائم فأفيد أنهم في أنزه موضع من الجنة وأطيب مقعد منها بقوله تعالى: {فِى روضات الجنات} لأن روضة الجنة أنزه موضع منها لا سيما والإضافة في هذا المقام تنبىء عن تميزها بالشرف والطيب، والتعقيب بقوله تعالى: {لَهُمْ مَّا} أيضًا ثم أفيد أن لهم ما يشتهون من ربهم ولا خفاء أنك إذا قلت: لي عند فلان ما شئت كان أبلغ في حصول كل مطالبك منه مما إذا قلت: لي ما شئت عند فلان بالنسبة إلى الطالب والمطلوب منه.
أما الأول: فلأنه يفيد أن جميع ما تشاؤه موجود مبذول لك منه، والثاني يفيد إن ما شئت عنده مبذول لا جميع ما تشاؤه، وأما الثاني: فلأنك وصفته بأنه يبذل جميع المرادات، وفي الثاني وصفته بأن ما شئت عنده مبذول لك إما منه وإما من غيره ثم في الأول مبالغة في تحقيق ذلك وثبوته كما تقول: لي عندك وقبلك كذا، فالله تعالى شأنه أخبر بأن ذلك حق لهم ثابت مقضي في ذمة فضله سبحانه ولا كذلك في الثاني، ثم قال: ولعل الأوجه أن يجعل {كُفْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ} خبرًا آخر أي الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم في روضات الجنات لهم فيها ما يشاؤن، وإنما أخر توخيًا لسلوك طريق المبالغة في الترقي من الأدنى إلى الأعلى ومراعاة لترتيب الوجود أيضًا فإن الوافد والضيف ينزل في أنزه موضع ثم يحضر بين يديه الذي يشتهيه؛ وملاك ذلك كله أن يختصه رب المنزل بالقرب والكرامة، وأن جعله حالًا من فاعل يشاؤن أو من المجرور في {لَهُمْ} أفاد هذا المعنى أيضًا لكنه يقصر عما آثرناه لأنه قد أتى به إتيان الفضلة وهو مقصود بذاته عمدة، ولعمري أن ما آثره حسن معنى إلا أبعد لفظًا مما آثره جار الله، ولا يخفى عليك ما هو الأنسب بالتنزيل.
وفي «الخبر» عن أبي ظبية قال: إن السرب من أهل الجنة لتظلهم السحابة فتقول: ماأمطركم؟ فما يدعو داع من القوم إلا أمطرته حتى أن القائل منهم ليقول: أمطرينا كواعب أتراباف {ذلك} إشارة إلى ما ذكر من حال المؤمنين، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلة المشار إليه {هُوَ الفضل الكبير} الذي لا يقدر قدره ولا تبلغ غايته ويصغر دونه ما لغيرهم في الدنيا.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10